جبلة حاضرة الأزمان 1
جبلة حاضرة الأزمان 2
Wednesday, April 28, 2010
Sunday, April 4, 2010
جبـــــــــــلة .. ثلاثية المرأة والأفيون والمآذن
جبـــــــــــلة .. ثلاثية المرأة والأفيون والمآذن
الإثنين, 17-يناير-2005
أحمد الحسني -
جبـــــــــــلة .. ثلاثية المرأة والأفيون والمآذن
ليست هذه المرة على شواطئ اللاذقية ، ولا جنوبي بغداد وإنما هي عروس تجري تحتها الأنهار، على هضبة مكونة من سبع ربى ترتفع عن مستوى سطح البحر قرابة ( 1350 كم ) في خيمة طبيعية عمودها جبل "التعكر" الذي يرفع السماء المشدودة إلى أوتاد "العدين" و"السياني" و"ذي السفال" و"إب".. إنها مدينة النهرين "جبلة" أو "ذي جبلة".
خدد لها شام وحب مشرق ..... والتعكر العالي المنيف يمان
فبعد أن تقطع قرابة ( 170كم ) إلى الجنوب من صنعاء تصل مدينة إب عاصمة المحافظة الخضراء في وسط مرتفعات اليمن الوسطى وما أن تعبر المدينة جنوباً وتصل مفرق جبلة حتى تختطفك النسائم المحملة بعطر ورود " الدِّحْثاث " فتنساق مع النشوة على طريق الإسفلت مسافة ( 7 كم ) إلى الجنوب الغربي من مدينة إب وهناك تكون في حضرة أميرة الطبيعة جبلة تجر ثوبها السندسي يعبق بشذا التأريخ مكللة بالقباب والمآذن محفوفة بنهري " حديد " و " الوَقَش " وبدلاً عن أريج ورود الدحثاث التي احترف أبناءها تقطير ماء الورد تمتلئ رئتاك وأن تقف بين يدي جبلة بهواء السلام الذي امتلأت به رئتا الملكة الصليحية قبل ألف عام فطلبت من زوجها أن ينقل ملكه إلى هذه المدينة لتظل عاصمة الصليحين حتى زوال دولتهم بسلام وليبقى السلام هواء جبلة الذي لا تستطيع رصاصات عابد الكامل الطائشة أن تلوثه .
ولدت هذه المدينة حوالي عام 458هـ / 1066م علي يد الأمير عبد الله بن محمد الصليحي أثناء ولايته على حصن التعكر لأخيه علي بن محمد الصليحي مؤسس الدولة الصليحية التي حكمت اليمن من تأريخ 440هـ إلى 532هـ الموافق 1047م إلى 1138م وسميت بهذا الاسم نسبة إلى تاجر فخار يهودي كان يبيع بضاعته في المكان الذي بنى فيه المكرم احمد بن علي الصليحي قصره " دار العز " حين قرر استيطان هذه المدينة واتخاذها عاصمة لملكه بدلاً عن صنعاء كما يذكر ذلك المؤرخ عمارة اليمني ت ( 569هـ ) الموافق 1173م وهناك من يرى أن التسمية جاءت على غرار مدن إسلامية حملت نفس الاسم قبلها بقرون مثل جبلة السورية على سواحل اللاذقية بلد القسام وجبلة جنوبي بغداد .
هذه المدينة التي لا تتجاوز مساحتها الكيلومتر المربع الواحد بطرقها المرصوفة وبيوتها العالية المبنية بالحجارة شأن بيوت المناطق الجبلية والوسطى وبنفس طابعها المعماري يقال أنه لا يوجد فيها بيت يحجب بيتاً رغم تقاربها وهي تتوزع على سبع ربى لكل ربوة اسم مثل ربوة " أور " حيث جامع السيدة أروى وربوة " الدارة " حيث دار العز وتختزل في مساحتها الصغيرة تلك جزءا كبيرا من تأريخ اليمن تتلوه عليك الكثير من معالمها التاريخية والأثرية .
فضلت الدخول إلى هذه المدينة من بوابة التأريخ حيث صعدت الدرج القديم الذي يقود إلى المدينة التي كانت عاصمة اليمن قرابة قرن من الزمن خمسون عاماً منها تحت حكم الملكة الوحيدة في تأريخ اليمن الإسلامي السيدة أو أروى بنت احمد الصليحية التي حفظت جبلة من آثارها:
1) جامع جبلة :
ينسب هذا المسجد إلى السيدة أروى الصليحية التي بنته مكان دار العز الأولى على ربوة أور وهو مستطيل الشكل يتوسطه فناء مكشوف محاط بأربعة أروقة هي
رواق القبلة : وهو الرواق الشمالي يتكون من أربعه بلاطات بين أربعة صفوف من الأعمدة بعضها مثمن وبعضها مستطيل ذات تيجان مستطيلة ومربعة تحمل سقف الرواق الذي توجد به مصندقات خشبية تعود إلى القرن الخامس الهجري .
الرواق الجنوبي : يتكون من بلاطة واحدة وبجداره الجنوبي مدخلان يتم من خلالهما الوصول إلى المطاهير ( الحمامات ) الموجودة في الناحية الجنوبية من الجامع .
الرواق الشرقي : يتكون من بلاطتين بواسطة بانكتين بكل منهما ثمانية أعمدة تحمل أقواساً مدببة .
الرواق الغربي : يتكون أيضا من بلاطتين وفي الجهة الجنوبية منه ردهة تستخدم كمدرسة لتحفيظ القران الكريم .
المحراب : عبارة عن تجويف بسيط عمقه متر تقريباً في منتصف الجدار الشمالي للمسجد يعلوه عقد مدبب محمول على عمودين عليهما زخارف نباتية وهندسية أما المحراب فمحاط بآيات قرآنية كتبت بالخط الكوفي ويزين تجويفه من الداخل وطاقيته زخارف على شكل أوراق العنب .
للجامع مئذنتان تقعان على الناحيتين الشرقية والغربية للجهة الجنوبية للجامع تتكون المئذنة الشرقية من قاعدة حجرية مكعبة يقوم عليها بدن من ستة عشر ضلعاً من الآجر .
2) ضريح الملكة : يقع في الركن الشمالي الغربي لجامع جبلة ضريح السيدة أروى بنت احمد الصليحية أيسر القبلة تزين واجهاته دخلات على هيئة محاريب مجوفة عددها في الجدار الشرقي أربع دخلات والجنوبي دخلتان عرض الواحدة ( 60 سم ) وارتفاعها ( 1.6 م ) بعمق ( 10سم ) وقد فتح مدخل في الجدار الجنوبي للضريح مما جعل المعمار لا يعمل إلا دخلتان فقط ويكتنف كل دخلة عمودان مندمجان ليس لهما تيجان ويقوم عليهما عقد مدبب شبيه بعقود الدولة الفاطمية في مصر ويزين جدران الضريح من الخارج زخارف كتابية بالخطين النسخ والكوفي المزهر على مهاد من التفريعات النباتية الجصية البديعة إضافة إلى الزخارف النباتية الأحادية والثنائية والثلاثية والخماسية والمرواح النخيلية وأنصافها وأشكال الورود المتعددة البتلات إلى جانب السيقان والفروع النباتية التي نفذت بالنقش على الجص والتي تنتشر بين كوشات عقود الدخلات المجوفة على شكل أشرطة رأسية وتنصف الواجهة الشرقية للضريح فخارية مزخرفة بأوراق ثلاثية وخماسية الفصوص داخل إطار مزدوج من فروع نباتية متعرجة وتتشابه زخارف الفخارية مع الزخارف الأخرى على يمين ويسار مدخل الضريح وهي تكوينات زخرفية تتفق مع التكوينات الزخرفية النباتية لمساجد الفاطميين في مصر .
يقوم الجامع بما فيه على أقواس مدببة تحملها أعمدة وجدران بينها فراغات كانت تستخدم كمخازن وإسطبلات للخيل وفوقها مساكن الطلبة الوافدين إلى حلقات الدرس في رباط هذا الجامع ويتم دخول الجامع عبر درج حجري يسمى درجة الألف يقولون أنه مكون من ألف حجر ويقول القاضي الأصبحي أن النسبة ليست لعدد أحجاره ولكن لسنة بنائه 1000هجرية , لم اهتم كثيراً بعدّ الأحجار خصوصاً أنني تركت الاهتمام بما هو أهم عند شخص محدود الدخل مثلي وهو ما يتناقله الناس عن وجود كنز مدفون تحت أعمدة الجامع ويحلو لهم أن يعللوا زيارة البهرة لضريح الملكة الصليحية ويرجعون الاهتمام به إلى وجود هذا الكنز بدلاً من الارتباط المذهبي لقد كنت مشغوفاً أكثر برؤية دار العز الذي كانت تمضي الملكة الصليحية فيه عامها متنقلة بين غرفه الثلاثمائة والستين ويحلوا للناس أن يؤكدوا لك أن القصر أقيم بطريقة هندسية تكفل دخول الشمس يومياً إلى جميع الغرف , كنت أمشي في أزقة السوق القديم متبعاً خيالي أكثر من مرافقي القاضي الأصبحي الذي كان يحدثني عن مسجد ابن عراف والمدرسة الشهابية وما أن وصلنا دار العز في ربوة الدارة حتى اصطدم خيالي بالواقع الذي عليه القصر فلم يكن أمامي غير أطلال وبقايا جدران وغرف لم يعد بالإمكان الصعود إليها والمباني السكنية الجديدة محيطة بها , أحدهم تطوع بالقول أن ما أشاهده من أطلال ليس من القصر و إنما هي بنايات لآل المتوكل على أنقاض القصر أما القصر فقد كان على الربوة كاملة وان المباني الموجودة على الربوة أقيمت جميعها على أنقاض القصر وبأحجاره أما الدليل السياحي في متحف الملكة أروى فكان يواصل حديثه وكأنه يطلب مني عدم الإصغاء لهذا المتطوع ويجهِّله ومضى يشرح لي كيف أن الملكة الصليحية أتت بأخشاب هذا القصر من العدين ( 30كم ) غرب جبلة واستمر في حديثه مشيراً إلى إسطبل الخيل في باحة القصر والأقواس المدببة التي تحمل طوابق القصر وغرفه وأنها طابع معماري فاطمي انتشر في اليمن أيام الصليحين خصوصاً في عهد ملكتهم أروى بنت احمد ويذكرني برسائل الحاكم الفاطمي لها وما تضمنته من تبجيل وتأكيد على سلطانها ودعمهم له .
كان بجوار دار العز بل ضمن بقاياه مسجد يشمخ بمئذنته العتيقة مكسواً بجلال القرون التي تعاقبت عليه وتحس أنها ستنطق من جنباته مؤكداً أن القصر لم يكن بذلك الحجم الذي تتناقله الروايات .. قاطعت حديث الدليل السياحي عن النفق السري الذي كان يصل دار العز بحصن التعكر لان نحت مثل هذا النفق في الصخر الصلد قرابة عشرة كيلومترات أسطورة لم يرق لي استماعها والتفت إلى القاضي اسأله عن المسجد فأجابني أنه مسجد ورباط السنة والدار التي بجوارها هي دار السنة ومن اسمه يتضح انه بني عقب سقوط الدولة الصليحية على أيدي الأيوبيين ليتبنى نشر مذاهب السنة في مدينة الصليحين الروافض ويواجه مدارس مذهبهم الذي كان مرفوضاً سواءً من السنة أو الشيعة الزيدية إلى الحد الذي كانوا يعيبون فيه سكنى جبلة يقول السكسكي في طبقاته " ومتى سكنها ساكن عاب عليه الفقهاء وغيرهم من أهل السنة و عابوه " إلى أن يقول " لان بانيها عبد الله بن محمد الصليحي أخا علي بن محمد والمقتول معه في المهجم فلم يكد يسكن معه غير أهل مذهبه في الغالب و إنما سكن أهل السنة بها في أيام الغز الأيوبيين يقول الفقيه أبو الفتوح بن عبد الحميد الفائشي يعتب على القاضي أبي بكر الجندي سكناه مع منصور بن المفضل في جبلة
حللت في ذي جبلة قاضياً ..... فبئسها أرضا وبئس القضا
تؤم بالطائفة الملحدين ..... من بعد ما كنت إمام الرضا
ثم يورد اعتذار القاضي للفقيه وأنه يريد أن يؤثر ويصلح لا أن يتأثر ويوالي غير أن اشهر المدارس التي تصدرت لمواجهة الروافض ونشر السنة في وكرهم جبلة حيث رباط جامع الملكة ومسجد ابن عراف الذي أقامه القائد الصليحي أسعد بن عراف هي مدرسة ابن أبي الأمان أبو الحسن علي بن إبراهيم بن أبي الأمان التي أنشأها سنة ( 558 هـ ) وطلب من أصدقائه العلماء أن يشتركوا معه في التدريس بها ونشر السنة وما تزال باقية حتى اليوم .
بالرغم أن الأيوبيين هم الذين أطاحوا بالدولة الفاطمية في مصر واتباع الفاطميين من الصليحين في اليمن إلا انهم لم يهتموا كثيراً ببناء المدارس في جبلة كما صنع الرسوليون من بعدهم ربما لكونهم محتلين يهتمون بالغلبة السياسية وجمع الخراج أكثر من الاهتمام بتبني مراكز التنوير والمعارف خصوصاً انهم ليسوا أصحاب مذهب جديد يحتاجون للتنظير له في الوسط السني الذي ينبذ مذهب الصليحين فضلاً عن اعتقاده إضافة إلى ما عرف عن اهتمام الرسولين بالعلوم و ما لاقاه العلماء من إجلال وحفاوة ملوك بني رسول العلماء الذين نشروا المدارس والأربطة في عموم اليمن وليس في جبلة فقط ألفوا في شتى أنواع المعارف والعلوم ومن مدارسهم الشهيرة في جبلة
الجَبَابِيَّة : التي بناها فخر الدين أبو بكر بن حسن الرسولي الذي بنى مطاهير الجامع الكبير جامع الملكة العومانية : التي بنتها العنسية زوج والد الملك المنصور أما أكثرهم مآثراً في جبلة فهي سيدة العلم والخير الدار النجمي بنت علي بن رسول التي بنت المدرسة النجمية بجوار دار العز غير بعيد عن مسجد السنة وبنت المدرسة الشرفية والمدرسة الشهابية ومسجد الدار ومطاهير مسجد ابن عراف يقول السكسكي في تأريخه " الدار النجمي هي بنت علي بن رسول أحد الأمراء الملوك من بني رسول سميت بالنجمية نسبة إلى زوج لها وهو الأمير نجم الدين بن أبي زكريا أحد الأمراء القادمين إلى اليمن وكان رجلاً كريماً شهماً شجاعاً مقداماً كثير فعل المعروف بعثه المنصور إلى حضرموت يستفتحها فقتل هناك ولم تزل هذه الحرة على الطريق المرضي ليس في جبلة رزق للطلبة غالباً ظاهراً إلا منها أو من حاشيتها فأما منها فإنها ابتنت النجمية اشترتها داراً لابن المعلم وسمتها باسم زوجها ووقفت عليها وقفاً عظيماً وابتنت بها مسجد الدار نسبة إليها ولما بنى ابن أخيها أبو بكر بن حسن الملقب فخر الدين مطاهير جامع جبلة شق عليها وقالت لو علمت لم يسبقني إليه ثم عملت المطاهير التي لمسجد الأمير ابن عراف الذي سبق ذكره ثم كان غالب لبسها من غزلها القطن في آخر أمرها وبنت لأخيها شرف الدين الهالك بمصر مدرسة ونسبتها إليه وبها قبرت وقبر معها جماعة من أهلها كبدر الدين حسن أخيها وغيره وبنت المدرسة الشهابية على اسم أخ لها اسمه احمد شهاب الدين واحدث خواتينها من المآثر المرضية إذ العبد من طينة مولاه عدة مآثر فأحدثت " رأت دارها " المدرسة المنسوبة إليها المعروفة بالرائبة وبنى خادمها فاخر مدرسة بذي سفال ووقف عليها وقفاً جيداً وفي قرية البرحة من النقيلين مدرسة ابتناها بعض حواشيها
ورب حي ميت ذكره ..... وميت يحيا بأذكاره
ليس بميت عند أهل النهى ..... من كان هذا بعض آثاره "
كنت أترحم على السيدة الرسولية وأنا أشاهد مع السائحين الأوربيين نقوش المدرسة النجمية و أقول في نفسي هذه سيدة جبلة الحقيقية بعيداً عن بهرج الملك ودنس السياسة وعنّ لي أن اسمي جبلة إمبراطورية المجد الأنثوي وخزانة مآثر عظمة المرأة اليمنية وما أن سمعني الأستاذ فؤاد الصلوي حتى أشار إلى الجهة المقابلة لنا شرق سائلة الوقش قائلاً وذلك هو مسجد النساء وبجواره مسجد الاشيدي التاريخيين ووجود مسجد مستقل للنساء في هذه المدينة من قديم الزمان خصوصية في تأريخ المرأة اليمنية ومدينة المجد الأنثوي جبلة .
ورثت النساء في جبلة أمهاتهن فعرفن بالحنكة وحسن التدبير ورجاحة العقل كما عرف عن رجالها غزارة العلم وطيب المعشر ودماثة الخلق والظرف . في جبلة تستطيع أن تردد مع الشاعر
فما التأنيث لاسم الشمس عيب ..... ولا التذكير فخر للهلال
مالا تستطيع أن تتجاهله في جبلة أو تمر دون أن تملأ عينيك بجماله وجلاله هو مسجد يعقوب نسبة إلى يعقوب بن مطهر بن شرف الكوكباني سنة ( 921 هـ ) أو قبة الزَّوْم نسبة إلى القائمين على اوقافه من أسرة الزوم المعروفة في جبلة و الذي ترتفع مئذنته الأسطوانية المبنية من الآجر الموشاة بالقضاض الأبيض الذي يكسو قبته الكبيرة والتاج المحيط بها على شكل ورقات ثلاثية البتلات وكأنه إكليل غار على رأس حورية لكنها تهدي ولا تضل وتغري ولكن بالتقى والإيمان .
هذه هي جبـــــــــــــــــــله براءة ورود "الدحثاث" على مدخلها تطيبك ومزارع الخشخاش في الثَّوَابِي حيث كان يستخرج من صمغ أقماعه الأفيون الذي يستخدم كمسكن للآلام وتأكل حبوبه التي تشبه حبوب السمسم كان أفيون جبلة دواء لا مخدراً وخشخاشها ثمرة لا سماً ..
كنت مشتاقاً للتعرف على علامة جبلة الشيخ حميد بن قاسم عقيل ولكني تجاوزت منزله وأنا أفكر في إعادة قراءة تأريخ هذه المدينة على ضوء نصوص الآثار قراءة موضوعية هل أستطيع أن أقول دون ملام أن جبلة رسوليه لا صليحية فشهرتها كمدينة علم جاءت من مدارس الرسولين وأنها صنعت بشهرتها تلك تأريخ الدولة الصليحية ؟
وهل أستطيع أن انفي القصة التي تقول " أن المكرم احمد بن علي الصليحي حشر الناس في صنعاء فلم تقع عينه على برق سيف ولمعان سنان وحين وصل إلى جبلة وحشر له الناس لم تقع عينه إلا على رجل يجر خروفاً وآخر يحمل ظرفاً فيه سمن أو عسل أو يخرز نعلاً فأشارت عليه زوجته السيدة أروى بنت احمد الصليحية بالإقامة بين هؤلاء الناس المسالمين ونقل عاصمة الدولة إلى هذه المدينة " وأقول أنها
رواية تبريرية لخضوع المناطق الشافعية رغم كثرة سكانها وخصب أراضيها للغلبة القتالية لأبناء المرتفعات الشمالية الهادوية المذهب حيث تقع صنعاء و على امتداد ألف عام وما تزال حقيقة رغم غياب المرادفات المذهبية من لغة الخطاب السياسي بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م وان ما سبق من اجتهادات تشريعية انفتح فيها مذهب السلطة على المذاهب الأخرى جاء من طبيعة المذهب المتمردة على ربقة التقليد لا تملقاً لمشاعر الغالبية الشافعية ولا مراعاة لانتمائها المذهبي و أن السبب الحقيقي لاختيار المكرم الصليحي جبلة عاصمة له هو خشيته على نفسه بعد اعتناقه للمذهب الإسماعيلي من البقاء في وسط مذهبي السلطة السياسية أساس في اعتقاده الديني وله تأريخه الطويل في الصراع مع الإسماعيلية إضافة إلى صراع الصليحي مع النجاحيين الشوافع في تهامة الذين قتلوا والده في المهجم وسبوا أمه أسماء فكان انتقاله إلى منطقة جبلة كونها منطقة جبلية منيعة وخصبة الأرض وافرة الخيرات وسكانها شوافع يعتقدون طاعة كل غالب ما لم يأت بكفر بواح وأول ما يحفظون عن فقهائهم من أصول المذهب قول بن رسلان
ولم يجز في غير محض الكفر ..... خروجنا على ولي الأمر
إضافة إلى كونهم أصحاب وفرة اقتصادية بحكم طبيعة بلادهم الزراعية الخصبة ورأس المال جبان كما يقال وهما علتان تكفل للصليحي الأمان بينهم مهما نبذوا مذهبه الديني لقد عجز الصليحيون عن إقامة قاعدة جماهيرية لمذهبهم حتى في مدينتهم جبلة مما جعل هذه الدولة تنتهي فجأة وكان آخر حكامها هو أطولهم عمراً وأكثرهم شهرة السيدة أو أروى بنت احمد أي أنها انطفأت في ذروة مجدها على عكس ما هو مألوف في تأريخ نشوء الدول وزوالها حيث تتدرج في الصعود إلى أن تصل الذروة ثم تنحدر على سلم صعود البديل وكأن الدولة الصليحية أزيلت بقرار خارجيً لم يستغرق من الوقت ما استغرقه صدوره .
خاتمة
لقد أحيطت الدولة الصليحية وملكتها بهالة من العظمة عند المؤرخين الجمهوريين ونالت دولتها من الاهتمام ما لم تنله دول اعظم مآثراً أطول عمراً ربما لكون الملكة الصليحية هي الملكة الوحيدة في تأريخ اليمن الإسلامي وربما نكاية بالإمامة التي أطيح بها عام 1962م وأياً كان فالنتيجة جناية على التأريخ وإضاعة لحقائقه لم نستطع أن نعرف بسببها هل كانت الدولة الصليحية حكومة وطنية أم امتداد للدولة الفاطمية في مصر كما هو واضح من آثارها ذات الطابع الفاطمي وهل كانت الملكة الصليحية ملكة يمنية أم عميلة تحمل خراج اليمن وثرواتها للحاكم الفاطمي مقابل الدعم ورسائل التزكية التي كانت تصلها ؟؟ إنه أمر لا تحتاج عظمة هذه الملكة أن نخفيه وليس بمعاب في حوادث التأريخ ولكن العيب الحقيقي هو أن تسيطر أهواءنا الخاصة على صياغة تأريخنا فنغرق في جهل لا نعرف معه اسم هذه الملكة رغم قرب عهدها و طول فترة حكمها التي استمرت قرابة نصف قرن من الزمان هل هو سيدة بنت احمد أم أروى بنت احمد في الوقت الذي لا يختلف فيه غيرنا على اسم نفرتيتي أو كليوباترا أو زنوبيا .
هل كان علي بن الفضل البطل الوطني والثائر الحميري كما وصفه الاكوع وكتب بسيفه الدكتور المقالح أم كان سفاحاً عاهراً احل البنات مع الأمهات ومن فضله زاد حل الصبي كما ذكره العرشي والواسعي وغيرهما؟؟
إننا بحاجة إلى غربلة تأريخنا وإعادة قراءته بموضوعية تمكننا من الاستفادة الحقيقية منه أم أننا سنظل كما قال عنا المؤرخ الكبير أبو الغمر مسلم بن محمد بن جعفر اللحجي اليمني المتوفى سنة 550هجرية :
" إن قلة الرغبة في أهل اليمن في إحياء ما يكون في بلادهم وفي أهلها من الأخبار والآثار ولهم من الفضائل والمحاسن والعجائب ما قد عرفت ومعلوم انه قد كان في اليمن من المحاسن الحسنة في أخبار الدنيا في الجاهلية والإسلام وأخبار الدين في الإسلام وسائر مكارم الأخلاق ونوادر العجائب التي قد دون أهل العراق والحجاز ومصر والشام وخرا سان ما هو دونه وأحيوا في طبقتها من أخبار ملوكهم وقوادهم وشعرائهم وكتابهم وخطبائهم وفقهائهم وعبادهم وزهادهم ووزرائهم وسوقتهم وعوامهم وغير ذلك ولهذا حيوا وماتوا.
المؤتمر نت
الملكة أروى... سيدة حرة في قلب اليمن
www.sabanews.net/ar/news72268.htm
الملكة أروى... سيدة حرة في قلب اليمن
23-06-2004
سبا نت - سبأ نت - كتبت : ميساء شجاع الدين
أدام الله أيام الملكة الحرة
فتاة صغيرة تستيقظ من النوم و تتوجه لزوجة عمها قائلة: " أبصرت في المنام ،إن في يدي مكنسة أكنس بها قصر الملك علي الصليحي."
- يا أروى كأني بك، والله ، قد كنست ال الصليحي و ملكت عليهم أمرهم.
و تحقق الحلم و صارت هذه الصغيرة هي الملكة أروى التي حكمت اليمن منذ عام " 479-532هجرية" "1085-1138 ميلادية"
الحكم من الظل إلى المقدمة
ولدت أروى بمدينة عدن عام 1064 و توفي والدها أحمد الصليحي تحت أنقاض منزله المنهار ليكفلها عمها الملك علي الصليحي الذي عهد بتربيتها لزوجته أسماء قائلا لها : "يا أسماء أكرمها فهي، و الله ، كاملة ذرارينا و حافظة هذا الأمر على من بقي منا ." و يبدو إن حدس الملك كان صحيحا.
فالملك علي الصليحي حكم اليمن عام 1037 م لمدة خمس عشر عاما، وصل نفوذ الدولة في عهده إلى مكة التي خضعت لملك الدولة الصليحية – و مذهبهم الفاطمية أحد فرق
الباطنية- و يشد رحاله إلى مكة في موكب عظيم ويقتل برحلته و كذلك تؤسر زوجته أسماء التي عرفت بقوة شخصيتها و حكمتها و مشاركتها لزوجها للحكم حيث كان يدعى بإسمها في المساجد مع زوجها بخطبة الجمعة.
و قبل هذه النهاية المأساوية للملك علي الصليحي و زوجته، تزوجت أروى من إبنهما احمد المكرم و هي في السابعة عشر من عمرها لتنجب له: علي و محمد و فاطمة و أم همدان.
و يتولى زوجها الحكم بعد الحادثة التي تودي بحياة والده و تسبى امه على أثرها و يستمر على نهج والده في الأخذ برأي زوجته و الدعاء بإسمها مع إسمه بخطب الجمعة.
لكن بمجرد معرفته بخبر سبي و الدته حتى يتحرك الملك أحمد المكرم بجيش غاضب وتندلع المعركة بمدينة زبيد باليمن التي تكون نتيجتها انتصاره و فك أسر والدته.
ولم يكن يتصور حينها إن هذا النصر سوف يغير مجرى حياته للابد نتيجة لصدمته العاطفية حين يرى والدته داخل مكان أسرها الذي يدخله مرتديا خوذته العسكرية و يلقي عليها التحية و يطل إذنها بالدخول لكنها تسأله: من انت؟
ليجيب: أحمد بن علي.
لكن يظل ردها حذراً بارداً: الكثير من العرب يدعون أحمد بن علي.
وحينها ينزع الخوذة من على وجهه لتحيه والدته فرحة مستبشرة قائلة : مرحبا بسيدنا المكرم. ليضاعف من صدمته تحية والدته الملكية وهي لم تراه يعتلي العرش الذي تولاه نتيجة للمأساة التي حلت بأسرته.
و بعد إصابته تتولى و الدته الحكم حتى وفاتها عام 480 هجرية و من ثم زوجته التي أول ما تقوم به هو الإنتقام من قاتل عمها و والد زوجها سعيد بن المسيب حاكم مدينة زبيد و فعلا تتخلص منه و تأخذ بثأرها.
أروى و مدينة جبلة
كثير من المتلازمات في حياتنا ترتبط ببعض و ذكر الواحدة يجر الثانية و هكذا تبدو الذاكرة اليمنية مع الدولة الصليحية التي ما أن تذكر حتى تقفز الملكة أروى للأذهان و كذلك مدينة جبلة التي صارت شبه مرادف لذكر الملكة أروى.
فبعد أن تزوجها المكرم رأت بثاقب فكرها أن تجعل لهم عاصمة غير صنعاء، فارتحلت من صنعاء بجيش تستطلع عن مكان مناسب تجعله عاصمة حتى وصلت جبلة فحشدت الرعايا في مخلاف جعفر تحت ركابها و عادت إلى صنعاء، و قالت للمكرم زوجها أرسل يا مولانا إلى أهل صنعاء فليحتشدوا في غد و ليحضروا للميدان وكان لها ما أرادت ثم طلبت من زوجها أن يشرف على الناس فلما نظر إليهم قالت له: ماذا ترى يا مولانا؟ فما وقعت عيناه إلا على برق السيوف و لمع البيض و الإسنة.
ثم ذهبوا لجبلة و طلبت من المكرم أن يحشد الناس كما فعل بصنعاء و في الغد قالت للمكرم: أشرف عليهم يا مولانا و أنظر على هولاء القوم، فلم يقع بصره إلا على رجل يجر كبشاً أو يحمل ظرفاً مملوءاً سمناً و عسلاً فقالت:" العيش بين هولاء أصلح و أفضل و أسلم للملكة، وأثبت لقواعدها و أسهل جانبا في مصادر الأمور و مواردها. وهي متوسطة بين اليمن الأعلى و الأسفل و بها يخصب العيش و يطيب المحل".
الملكة المحبوبة و معارضة الخليفة الفاطمي
وبعد وفاة زوجها أدعى ابن عمه سبأ الصليحي أحقيته بالحكم و يتدخل الخليفة الفاطمي المستنصر بالله و يأمرها بالزواج منه و ترفض الملكة أروى هذا الأمر بالبداية لكن ما تلبث أن تخضع لتكسب ود الخليفة بالقاهره و تتزوجه زواجاً صوريًا لمدة أحد عشر عاماً.
و بعد وفاة الخليفة المستنصر بالله يصر الخليفة المستعلي الله على ضرورة وجود رجل على سدة حكم اليمن و يحاول تأليب اهل اليمن الذين يفاجئوه بإخلاصهم لملكتهم المحبوبة التي يستمر حكمها لتنفرد بالحكم دون أي غطاء رجولي لمدة عشرين عاما حتى وفاتها بشكل طبيعي عن عمر يناهز 92 عاما و تكون بذلك حكمت اليمن لمدة تزيد عن خمسين عاما.
و اللافت للنظر في سيرة الملكة أروى انها كانت تمارس عملها مغطاة الوجه ليس كسابقتها أسماء و ذلك يعود لخروجها لمجالس العمل نظراً لجمالها و صغر سنها عند عجز زوجها ثم وفاته.
صلب السيدة و دار السلطنة
و وصف المؤرخ اليمني عبد الله الثور فترة حكم الملكة أروى:"و يكفي لمؤرخ أمين ان يقارن حكم الأئمة مقارنة مختصرة جدا بالفترة التي حكمت بها إمرأة يمنية وهي السيدة اروى بنت أحمد الصليحي التي خلفت مآثر و عمرانا و طرقا ومساجدا و أشياء كثيرة لم يحققها الائمة خلال حكمهم الطويل لليمن".
حيث كانت تهتم بنشر العلم و تيسيره فأنشأت المدارس و المساجد و وسعت جامع صنعاء و شيدت مسجد الضربة في بلاد يريم و المسجد الجامع في جبلة.
وكان جامع الملكة أروى في جبلة صرح علمي يتوافد عليه الطلاب وظل يتردد في رحابه لمدة خمسين عاما الدعاء الشهير للملكة أروى:" أدام الله أيام الملكة الحرة".
كما عنيت بالتنظيم و التخطيط في مناطق حكمها و لا تزال حتى آلان موجودة الأراضي الخصبة التي أوقفتها لرعي المواشي و معروفة بإسم "صلب السيدة ".
و بلطت مدينة جبلة بالأحجار و القضاض و شقت طريق سمارة إلى السياني و تعز، و اهتمت بإيصال المياه من خنوة إلى مدينة الجند و أنفقت أموالاً كثيرة في شق الجبال و إقامة الأعمدة و الكظائم _قناة في باطن الأرض تجري فيها المياه_ و في زمنها حفرت الترع و القنوات و كانت خزائنها مترعة بالذهب و فرضت الضريبة على المسك و الكافور و العنبر و الصندل و الأدوات الصينية، و كانت التجارة الهندية تأتي إلى اليمن كثيراً و سكان عدن يؤتون بنصف خراجها سنوياً.
و كان أبرز ما أسسته في جبلة دار السلطنة المكون من 365 غرفة وبني بشكل دائري و هو اثر معماري جميل يشهد على الإزدهار الذي شهدته الدولة أثناء حكمها.
و بعد مرور ما يزيد عن تسعمائة عام من وفاة الملكة أروى تظل إنجازاتها باقية ينتقع بها الناس لتكون شاهدة على فترة حكم الملكة الحرة.
أروى الصُليحية
أروى الصُليحية
الموسوعة العربية Arab Encyclopedia
(440-532هـ/1048-1138م)
السيدة الحرة أروى بنت أحمد بن محمد بن جعفر بن موسى الصليحي، وأمها رداح بنت الفارع بن موسى، ملكة حازمة مدبّرة، زوجة المكرّم أحمد بن علي الصليحي ملك اليمن، من الأسرة الصليحية التي حكمت اليمن بعد أن وحدت معظم إِماراته (439-533هـ) ونشرت الدعوة الإِسماعيلية الفاطمية المستعلية فيه، عرفت بلقب السيدة الحرّة حتى غلب على اسمها في كتب التاريخ.
ولدت في حصن مسار من جبال حراز باليمن، ونشأت في رعاية أسماء بنت شهاب زوجة الملك علي بن محمد الصليحي مؤسس الدولة الصليحية، بعد وفاة والدها أحمد الصليحي وزواج والدتها من عامر بن سليمان ابن عامر بن عبد الله الزواحي.
عرفت الملكة الحرّة بالجمال وحسن الأخلاق والشخصية النافذة، وكانت قارئة كاتبة، تحفظ الأشعار والأخبار والتواريخ، وكان الملك علي معجباً بها فكان يوصي زوجته فيقول لها: «أكرميها فهي والله كافلة ذرارينا وحافظة هذا الأمر على من بقي فينا».
تزوجها المكرّم أحمد بن علي سنة 458هـ في حياة أبيه، وتولى الحكم من بعده (459-481هـ) فأنجبت منه ولدين وبنتين، ومات ولداها سنة 467هـ وفوّض الأمور إِلى زوجته أروى، فكان أول ما قامت به، بعد أن غادرت صنعاء، أن اتخذت مقرها في قصر شاده زوجها في حصن ذي جبلة ونقل إِليه ذخائره وقامت بتدبير المملكة خير قيام وبسطت سلطانها على القبائل اليمانية، فخضع الناس لها، ومنحها الخليفة الإِمام المستنصر بالله منصب داعي الدعاة ولقبها: «السيدة الحرّة، وحيدة الزمن، سيدة ملوك اليمن، عمدة الإِسلام، ذخيرة الدين، عصمة المؤمنين، كهف المستجيبين، وليّة أمير المؤمنين، كافلة أوليائه الميامين» وعدّها المثل الأعلى للحاكم لكفايتها في تدبير شؤون الحكم، وكانت المراسلات المستنصرية الإِمامية تصدر إِلى اليمن باسمها.
وبعد وفاة زوجها المكرّم سنة 481هـ اختلف الصليحيون والزواحيون فيمن يتولى الحكم، وكان زوجها قد أوصى أن تسند أمور الدعوة إِلى الأمير المنصور سبأ بن أحمد بن المظفر الصليحي الذي طمح إِلى الزواج بالسيدة الحرّة، فلم ترض أروى بهذا الاختيار، واحتكم سبأ إِلى الخليفة المستنصر بالله الفاطمي الذي أمر أروى أن تقبل بسبأ زوجاً، فوافقت بعد تردد، ولكنّ هذا الزواج ظلّ صورياً، وظلّت أروى تمسك بمقاليد الحكم الفعلية، وتُرفع إِليها الرقاع، ويجتمع عندها الوزراء، ويدعى لها على منابر اليمن، فيخطب أولاً للخليفة الفاطمي ثم لسبأ ابن أحمد ثم للسيدة الحرّة أروى. ولم تلبث أن استقلت بأمر الحكم بعد وفاة زوجها الثاني سبأ سنة 492هـ، واعتمدت في تدبير أمور الملك على عدد من الثقات، منهم: المفضّل بن أبي البركات، وزريع بن أبي الفضل، وعليّ بن إِبراهيم بن نجيب الدولة وغيرهم، وامتدت أيام حكمها بعد ذلك أربعين سنة، استطاعت في أثنائها أن تمارس سيادتها على الإِمارات اليمنية الصغيرة من دون إِخضاعها.
ولّما قدم ابن نجيب الدولة إِلى اليمن موفداً من الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله سنة 513هـ وداعياً له، فأقام الحدود وأخضع الإِمارات المتمردة، عزّ جانب الحرّة وانقمع أهل اليمن، إِلا أنه بدأ منذ سنة 519هـ يسيء إِلى الحرّة ويستخفّ بأمرها ويدّعي أنها قد خرفت واستحقت أن يحجر عليها، وحاول أن ينتزع الحكم منها، ولكنّ أمراء البلاد وشيوخها ساندوها واتهموا ابن نجيب الدولة بالتآمر على الخلافة والدعوة النزارية، فأمر الخليفة بالقبض عليه وإِعادته إِلى مصر، ولكن السفينة التي كانت تقلّه غرقت في أثناء الرحلة، وأسندت الحرّة أمر الدعوة إِلى سبأ بن أبي السعود من آل زريع (وهو أول بني زريع الذين خلفوا الصليحين).
وقد عملت أروى إِبّان حكمها على تشجيع البناء والعمارة وأولت إِنشاء المدارس والمستشفيات والمساجد اهتمامها الزائد، ولم يقف نفوذها عند حدود اليمن، فقد عهد إِليها الخليفة المستنصر بالله ومن بعده الآمر بأحكام الله بالإِشراف على الدعوة الفاطمية في عُمان والهند.
عُمّرت أروى طويلاً، فلمّا ماتت تبارى الشعراء في رثائها، ودفنت في مسجد كانت بنته بذي جبلة، وقبرها ما يزال حتى اليوم مزاراً يسعى الناس إِليه ويتبركون به.
وعلى إِثر وفاتها دبّ الضعف في جسد الدولة الصليحية الإسماعيلية وتفككت أوصالها وصار الأمر فيها إِلى الأمراء من آل زريع، وكانت الدولة الفاطمية في مصر تعاني الانهيار أيضاً، وانتهى أمر الصليحين تماماً بعد أن غزا طوران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين اليمن سنة 569هـ.
ج.ت
الموضوعات ذات الصلة
ـ الصليحيون - المستنصر بالله.
مراجع للاستزادة
ـ نجم الدين عمارة، تاريخ اليمن، حققه محمد بن علي الأكوع (مطبعة العلم 1979).
ـ عبد الله أحمد محمد التاور، هذه هي اليمن، حققه محمد بن علي الأكوع (دار العودة 1979).
حصن التعكر.. مصيف الملكة أروى يعاني من الإهمال
حصن التعكر.. مصيف الملكة أروى يعاني من الإهمال
استطلاع- محمد حسن مزاحم
السبت 20 مارس - آذار 2010
جبل التعكر من أشهر الحصون والقلاع الحربية في التاريخ اليمني القديم لا سيما في عهد الدولة الصليحية.. عندما تفكر بالذهاب إليه.. لمعرفة تلك الأسرار التي تحدث عنها المؤرخون، فإن ذلك يتطلب منك المرور على مدينة جبلة التي تقع شمال شرق التعكر، والتي ارتبط اسمها باسم الملكة أروى بنت أحمد الصليحي وقد جعلت من جبلة العاصمة السياسية لدولتها ومن جبل التعكر منتجعاً سياحياً لها خاصة في موسم الأمطار والإخضرار..
عندما تصل إلى حصن أو جبل التعكر “كما يحب تسميته المؤرخون” فأنك لن تنسى فيما بعد هذا المكان فالحصن لا تجد شبراً من الأرض التي حوله إلا يسيطر عليها الإخضرار..
إضافة إلى أن موقع الحصن الذي يرتفع حوالي “3000” متر فوق سطح البحر يجعلك تسبح في ملكوت الله حيث تستطيع وأنت في قمته أن تمد نظرك إلى أبعد ما يمكن أن يتصوره المرء حيث يطل الجبل من الناحية الجنوبية الغربية على مدينة ذي السفال وأجزاء من السياني ومن ناحية الشمال يمكن مشاهدة مدينة جبلة والوقش وسائلة جبلة ومفرق جبلة أما من الجهة الجنوبية الشرقية فيمكن مشاهدة مدينة السياني وعندما تطل من أعالي جبل “التعكر” فأنك حينها ستشعر وكأنك طائر يطير بجناحيه في السماء، وتزيد لديك أحاسيس الفرح والسعادة عندما تنقل نظرك من جهة إلى أخرى لتشاهد الفضاء الواسع الأفق الرحب، والمناطق الجميلة دائمة الاخضرار والتي يتجه المزارعون لزراعتها ورعايتها ومن ثم حصادها.
وأنت في أعلى قمة جبل التعكر وتحديداً في وسط الحصن المتهالك حالياً فإنك سترى جبل صبر الذي يأتي إليك بكل ما احتوى من عظمة وجمال وتعرجات ليقول لك ها أنا المنافس الحتمي لجبل التعكر، فتدرك عندها أنك بين عظيمين ولا مقارنة بينهما.
وعندها تلتف ببصرك قليلاً لتشاهد أمامك جبل صقاة في تعز وجبال المقاطرة وقلعتها العظيمة.. وعندما تركز أكثر في تأملك إذا ساعدك نظرك على ذلك فأنك ستشاهد على مدى نظرك جبال سورق وماوية.
أما إذا أدرت ظهرك لتلك المعالم البارزة والهامة.. عندها سيذهب بصرك المنتشي برؤية تلك المناظر الخلابة للسير مع هبوب الرياح المنعشة إلى جبل بعدان الحاضن لمدينة إب وحصن حب وبلاد الشعيبي التي تشتهر بزراعة شجرة القات، ومديرية السبرة وبلاد الجماعي..
وبمجرد الانتهاء من مشاهدة تلك المعالم سيتجه نظرك شمالاً لترى نقيل سمارة وطريقه الملتوي كالثعبان والقفر وجبل الخضراء في حبيش وإذا ما تحرك جسمك وبصرك نحو الجهة الشمالية الغربية فسيظهر لك جبال العدين وشوكة حرد ونقيل العقاب وجبال حزم العدين والأبعون وأجزاء من تهامة، إلى الغرب فسينطلق بصرك إلى جبال مزاحم في مذيخرة ولو ساعدك نظرك لرأيت جبال شرعب وما هو أبعد من ذلك.. كل هذه المناظر كفيلة بإزالة الهموم والأحزان وتحريك أحاسيسك الشاعرية وتحولك إلى فنان ترسم وتزين بالريشة أجمل اللوحات.
عندها لابد أن تطير بحواسك وجسمك إلى أعلى قمة في جبل التعكر والتي ستدرك أنه يوجد في قمة حصن منيع كان ومازال يعرف باسم التعكر رغم أن معالمه حالياً كادت أن تندثر.
حصن التعكر تاريخياً
ورد في كتاب “صفة جزيرة العرب” مايؤكد عراقة وأصالة حصن التعكر الضاربة في جذور التاريخ.. حيث عده الهمداني بأنه من شوامخ الجبال التي في رؤوسها المساجد الشريفة.
وتؤكد المراجع التاريخية كـ”فقهاء اليمن” لعمر بن علي بن سمرة الجعدي و”الأكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير” لأبي محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني وكتاب “تاريخ وصاب الأعتبار في التواريخ والآثار” لمؤلفه وجيه الدين الحبيشي الوصابي أن حصن التعكر مسكنه جمان من يحصب الأسفل وأن جبل جناد من التعكر إلى ريمة مكان اسمها عرفه وأساس التعكر من “3000” سنة بل تذهب بعض الكتب التاريخية للقول “أن التعكر منذ أن تم بناء الحصن فيه تعود إلى ستة آلاف سنة”.
وتضيف هذه المؤلفات أن جبل أو حصن التعكر كان يسكنه قبل الإسلام راهب يسمى “سطيح التعكر” ولذلك سمي الحصن فيما بعد باسمه..
ويؤكد هذا القول أبو محمد الحسن الهمداني في مخطوطه الأكليل نقلاً عن رواة معتمدين مثل كعب الأحبار وهو تابعي جليل حيث قال “إنه أدرك من عشيرته من لقى سطيحاً التعكري” وهو كاهن ذو صيت تميز بالحكمة والدراية وقد نقل أنه كان يتخذ من حصن التعكر مسكناً وكان الناس يأتون إليه من كل مكان ليأخذوا عنه الحكمة.
ونقل عن كعب الأحبار أنه قال “في اليمن بقاع منها أربع مقدسة وأربع مشئومة أو محرومة وثمانية كنوز والبقاع المشئومة أو المحرومة هي في “الجبل الاشهب” وهو من أشهر جبال اليمن الذي سيظهر فيه الخراب وتعوي فيه الذئاب والجبل الأشهب هذا عند الهمداني نقلاً عن أحد طلابه هو التعكر.
وقديماً كان للتعكر شهرة واسعة وكان تعكر المخلاف يضم مدناً كثيرة منها مديريات “العدين ـ ذي السفال ـ السياني ـ ذي جبلة” حيث كان المخلاف قديماً يحوي عدداً من المديريات وتحيط بالجبل من الناحية الجنوبية الغربية منطقة جميلة.
ومن الجهة الشرقية عرشان من عزلة المكتب مديرية جبلة أما الشمالية فتوجد عزلة الربادي.
ندرة المصادر
رغم أن حصن التعكر يعد من المعاقل المنيعة في اليمن بصفة عامة وفي إب بصفة خاصة إلا أن المعلومات عن هذا الحصن المنيع تظل شحيحة جداً رغم إشارة المصادر التي تحدثنا عنها سابقاً إلى عراقته وأصالته، ومع ذلك فقد كان جبل التعكر يحوي في قمته الكثير من الشواهد التاريخية مثل أثار لبرك الماء وسواقي وأثار لمدافن وعددها سبعة كما أنه وخلال زيارتنا للحصن لاحظنا وجود بركة مقضضة بمادة النورة وفيها مياه راكدة تتساقط عليها الطيور من السماء.
وتشير المصادر أن حصن التعكر لبني الصليحيين ثم للسيدة أروى بنت أحمد الصليحي، ويعد من حصون ومعاقل اليمن القديم وقد ذكره الأمير محمد بن أبان الخنفري الحميري في فجر الإسلام إذ قال في قصيدة أوردها صاحب الأكليل الهمداني.
وفوق التعكرين لنا قصور
تشاييد الشمارخة الطوال
وتشير المصادر التاريخية أن ابن المفضل بن أبي البركات طلب هذا الحصن من السيدة أروى ليقيم به، فأجابت بالقبول حتى سار إلى مدينة زبيد على رأس حملة عسكرية لمحاصرة بني نجاح فطالت غيبته مما أدى بجماعة من الفقراء إلى استغلال ذلك فقاموا بثورة على نائبه في الحصن تكللت بالنجاح، حيث قضوا على النائب وبايعوا ابراهيم بن زيدان عم عمار الشاعر أميراً لهم، وما كان من المفضل إلا أن عاد وحاصرهم لسنوات لكنه لم يستطع دخول الحصن، إلا بعد أن تفاوضت السيدة أروى مع المتمردين.
التعكر مقراً صيفياً للسيدة أروى
كان حصن التعكر قبل أن تتنازل به السيدة أروى لأبن الفضل يعد العاصمة الصيفية للدولة الصليحية، حيث كانت تقيم السيدة أروى فيه أيام الصيف أي مع موسم، تساقط الأمطار واخضرار الجبال والسهول التي يمكن رؤيتها من الحصن بسهولة نظراً لارتفاعه الشاهق.
كما مثل حصن التعكر للسيدة أروى مكاناً أمناً لخزن الذخائر والمال والحبوب حيث تؤكد الآثار الموجودة حالياً صحة ذلك ومنها الكهوف والصغيرة المنحوتة بالحجر وكانت تستخدم كمأوى ورباط للمواشي والأغنام وهذه الكهوف منحوتة بشكل هندسي بديع.
الحصن طريق تجاري
ونظراً لموقع جبل التعكر وتربع الحصن في أعلى قمة له فقد مثل هذا الموقع المتوسط للعديد من المديريات والمحافظات المجاوره ممراً تجارياً أمنناً حيث كان يمر من خلاله طريق تجارية من جبلة إلى ذي السفال ومن ثم إلى تعز وعدن وإب، ومن الجهة المقابلة طريق إلى العدين ثم الجراحي والحديدة ووصاب.. ومازالت الحانات التي كانت تأوي المسافرين وتقيهم الليل وعناء السفر موجودة حتى الآن على جنبات الطرقات، بالإضافة إلى بعض السلالم المصللة والمتعضضة حيث كانت الطريق مرصوفة بشكل كامل.
مدافن وبرك
الحصن الذي تغنى به الشعراء وافتخر به الأمراء والسلاطين وكتب عنه الأدباء والفقهاء لم يعد له اليوم من وجود سوى بضع آثار تتمثل بالمدافن والبرك حيث توجد ثلاث أبرك مائية أكبرها تلك التي تقع في الجهة الغربية وأوسطها تقع شمالاً وقد بنيت في إحدى جوانبها عتبات تتدرج من الأعلى وتحت كل عتبة حوض صغير بغرض جمع مياه الأمطار حال تساقطها وانحدارها لتستقر في حوض البركة الأم بعد أن تكون المياه تجمعت في حوض التعبئة من درجة إلى أخرى وتصل بالنهاية المياه إلى البركة وهي في حالة نقية من الشوائب والطين وبهذه الطريقة الهندسية البديعة والطبيعية كانت تتم عملية تصفية المياه في الصحن.
أما البركة الثالثة فتقع في الجهة الشرقية من الحصن وهي تعد الأقوى من بين البرك الأخرى ومازالت جدرانها مغطاه بالغضاض إلى وقتنا الحاضر، أما المدافن الموجودة في الحصن فكما تشير المصادر التاريخية فعددها سبعة مدافن منها ثلاثة عميقة جداً والأربعة الباقية أقل عمقاً، وتشير المصادر الثلاثة أن المدافن العميقة كان يطلق عليها ممن استوطنوا الحصن بمدافن جهنم وكانت تستخدم من قبل الصليحيين لخزن الذخائر وهذا يبرر سبب عمقها حيث يمكن لمن ينظر إليها من فتحة المدفن أنها واسعة وعميقة وصممت على شكل دائري، أما المدافن الأخرى فقد كانت تستخدم لخزن الحبوب والطعام وغيره.
كما أن الصليحيين لم يقتصروا على تلك البرك والمدافن فقد قاموا ويمكن مشاهدة ذلك عند صعودك إلى جبل التعكر، بعمل برك ومدافن أسفل الجبل وكانت معظمها مخصصة للحراسة التي كانت تسكن على سور الجبل من كل الاتجاهات.
إهمال
عندما تصل مع أحد السياح إلى قمة جبل التعكر وكلاً منكم يسابق أنفاسه لمشاهدة ما يشرح النفس خاصة بعد أن أخذك الحديث مسبقاً مع رفيقك الزائر أنه ما أتى إلى هذا الجبل إلا للسياحة والإطلاع على مثل هذه المعالم التاريخية والثقافية واكتشاف عادات وتقاليد المجتمع اليمني قديماً.. وبمجرد أن تصل معه إلى قمة جبل التعكر إلا وتصاب بخيبة أمل كبيرة، فقد تساوى الحصن مع الأرض تماماً فلا تعرف أين كانت السلاطين تدير أمور دولتهم؟ وأين الغرقة التي كانت الملكة أروى تطل من نافذتها لتشاهد انهمار الأمطار وتريح نفسها المتعبة من هموم ومشاكل الحكم؟ وأين أقام أبن الفضل قبل أن يذهب لردع الغزاة؟ وأين أقام الملك المكرم؟ وأين غرف الحاشية والخدم؟ وأين الحمامات التي كانت تتنوع فيها المياه بين الحار والبارد؟ كل هذا زال ولم يبق غير الأطلال تحكي لنا ولمن بعدنا وللسائح الأجنبي والعربي حكاية الزمن الذي مضى بكل أمجاده وأبطاله وبأفراحه وأتراحه وبانتصاراته.
لقد فعل الزمن بها فعلته، وبقايا لسور وأحجار جدران تئن وتتألم من غدر الزمن فيها، حتى تحولت إلى إطلال لا حول لها ولا قوة.
تدخل سريع
هنا نتساءل ونحن نتألم على ما فعله الزمن بحصن التعكر..
ما دورنا وواجبنا كسلطة محلية ومكتب آثار ومكتب سياحة وأدباء وصحفيين ومثقفين ومواطنون عاديون و.. و.. تجاه ما يجرى لحصن تاريخي وأثري كحصن التعكر الذي أصابه الإهمال وتركه وهو ينازع ويستغيث أنقذوني .. أنقذوني ؟
الحقيقة من المفروض بل الواجب علينا جميعاً أن يكون لدينا شعور بالانتماء للوطن وحبه والمحافظة على تاريخه وحضارته وكنوزه .. وأنا أدرك أننا كلنا لدينا ذلك الشعور ولكن يبقى التطبيق الفعلي لذلك،فمن علامات ودلالات حب الوطن والشعور بالانتماء إليه المشاركة الإيجابية في تنمية وتطوير قطاع السياحة والاعتزاز بموروثنا الحضاري والتاريخي عن طريق الأدوار المختلفة كلاً من مسئوليته وعمله.. والحقيقة أنني في الفترة الماضية قد سعدت كثيراً من التوجهات السليمة والصحيحة للقاضي أحمد عبدالله الحجري محافظ محافظة إب في إنشاء الجمعيات مثل جمعية “ريدان” للتراث الشعبي والتي سيكون من مهامها ـ في حال تفعيلها والبعد عن الأنانية والمصلحة الشخصية بين أعضائها ـ تقديم المشاريع حول ترميم القلاع والحصون بالمحافظة وقد بدأ العمل جدياً من قبل الأخ المحافظ بترميم قلعة سمارة بينما ترميم حصن التعكر وتأهيله يعد من أولوية القادمة كما قال لي شخصياً..
وهذا بلا شك سيعود على المحافظة السياحية والوطن بالنفع ورفد لاقتصادنا الوطني .. عندها سنعرف أهمية السياحة وسنعمل معاً على المحافظة لمقوماتها المختلفة.
الحفاظ على حصن التعكر
بهذا الشأن يقول الدكتور أحمد الوهابي ـ متخصص آثارـ بلادنا ممتلئة بالمواقع الأثرية الحيوية من شأنها رفع قيمة اليمن أمام الحضارات الأخرى في العالم.
وفي حالة تم إقرار ترميم وتأهيل حصن التعكر فأنه سيحصل عملية بحث للآثار المدفونة في موقع الجبل وهذه العملية بحاجة إلى مراعاة عند الحفر مثلاً وكذا الحفاظ على الجدران والأحجار وماهو ثابت لأن الأصل في إعادة الترميم هو الحفاظ على الآثار الموجودة وترميم ماهو آيل للسقوط ويتم التصرف مع أصول الموقع الأثرية بأسلوب علمي ومهني وعن خبرة وليس بالعشوائية .. وأكد الوهابي أهمية وجود فرق أثرية متخصصة في عملية الترميم ولها خبرة وغيرها وتعمل تحت إشراف فرق هندسية وأثرية متخصصة في الإنشاءات العمرانية.
خطوات جادة
وحول موضع ترميم حصن التعكر يقول الأخ الأمين العام للمجلس المحلي بمحافظة إب الأستاذ أمين على الورافي :ـ هناك توجه جاد لدى الأخ محافظ المحافظة القاضي أحمد عبدالله الحجري لإعادة وترميم أكثر من موقع وحصن أثري بالمحافظة.
أما بالنسبة لموضوع الترميم وإعادة بناء هذه المواقع والمباني الأثرية والتاريخية فتعتبر بالغة الكلفة المالية وتحتاج إلى ميزانية كبيرة تتوفر في أي وقت، ونحن في السلطة المحلية بالمحافظة نبذل جهوداً بالتعاون مع الهيئة العامة للآثار في هذا المجال ولا شك أن الأيام القادمة ستشهد إعادة ترميم وتأهيل قلعة سمارة وتليها خطوة أخرى مماثلة تكمن في ترميم وتأهيل حصن التعكر التاريخي والذي يدخل في صميم التراث الثقافي والتاريخي للمحافظة..
صندوق للترميم
أما الأخ الدكتور عبدالله الأحمدي فيؤكد أن عملية ترميم وتأهيل حصن التعكر باتت في الآونة الأخيرة من الضروريات .. ويجب أن تتضافر جهود الهيئة العامة للآثار والسلطة المحلية بمحافظة إب لإنجاز هذه المشاريع السياحية الهامة،خاصة وأن محافظة إب تعد محافظة سياحية من الطراز الأول.
مؤكداً على أهمية أن تدرك السلطة المحلية بمحافظة إب أهمية ما تحويه المحافظة من تراث ثقافي وأن تعمل على إيجاد صندوق خاص بها من مهامه الحفاظ على هذه الآثار والمواقع التاريخية وإعادة ترميمها سواء كانت هذه المواقع داخل المدينة أو في المدن الثانوية وفي الأرياف.
جبلة.. أجمل مدن اليمن وأطيبها هواءً.. نسمة السحر، وشقيقة القمر:إرتبط إسمها بالدولة الصليحية وأول من بناها الأمير عبدالله بن محمد الصليحي عام 458م
جبلة.. أجمل مدن اليمن وأطيبها هواءً.. نسمة السحر، وشقيقة القمر:إرتبط إسمها بالدولة الصليحية وأول من بناها الأمير عبدالله بن محمد الصليحي عام 458م
صحيفة 26سبتمبر
جامع الملكة أروى والنفق الأرضي السري والسوق القديم أهم المعالم التاريخية لمدينة جبلة
> سميت جبلة باسم يهودي يصنع الفخار واصبحت عاصمة للدولة الصليحية، تعتبر مدينة جبلة «بكسر الجيم» من أجمل المدن اليمنية واطيبها هواءً بل هي نسمة السحر وشقيقة القمر. وربة الحسن والاحسان والعلم والعرفان وملهمة الأدباء والكُتاب الذين تغزلوا بجمال طبيعتها الخلابة ورقة هوائها وعذوبة مائها كقول أحدهم مامصر مابغداد ماطبرية بمدينة قد حفها نهران وتعرف مدينة جبلة بذي جبلة.. وهي بلدة عامرة ومدينة مشهورة. تقع جنوب غرب مدينة إب على بعد حوالى(7) كيلومترات تقريباً.. وترتفع عن مستوى سطح البحر حوالى(1350) متراً.. على هضبة مسطحة في السفح الشمالي من جبل التعكر الشهير. كما تطل على وادي ضيق متخذة شكل نصف دائري بمحاذاة الوادي. وكان يطلق عليها في القدم اسم مدينة النهرين لانها تقع وسط نهرين كبيرين .. مياههما دائمة الجريان على مدار العام.
إعداد : محمد الخامري
التسمية والموقع :
ارتبط تاريخ مدينة جبلة بالدولة الصليحية التي حكمت اليمن من عام 438 -532 هجرية 1047- 1138 ميلادية . وأول من ابتنى مدينة جبلة هو الامير الكبير عبدالله بن محمد الصليحي عام 458 هجرية 1066 ميلادية وسماها جبلة . نسبة الى اسم أحد الصناع الحرفيين والذي كان من اليهود يبيع الفخار فيها قبل أن تعمر . وتقع مدينة جبلة الى الجنوب من مدينة إب وتبعد عنها (6) كيلومترات وهي عاصمة الملكة السيدة أروى بنت أحمد الصليحي التي انتقلت اليها من صنعاء في العام 854 هـ وبقيت فيها حتى وفاتها في العام 532هـ حيث تم دفنها في الجامع الذي قامت هي ببنائه.
وصفها
يصل امتداد مدينة جبلة في الطول الى حوالى (900) متر، وأما عرضها فيبدو ضيقاً. ويعلق نيبور على ذلك بقوله ولذا فإنني أشك في أن يبلغ عدد منازلها ستمائة منزل.. وطرق المدينة مرصوفة وبيوتها عالية ومبنية بالحجارة كما هو الحال بالنسبة لجميع البيوت في المنطقة الجبلية ويبدو منظرها جميلاً.. وبالقرب من المدينة يسكن اليهود في قرية منفصلة. وتتميز مدينة جبلة بطابع معماري مماثل للطابع المعماري السائد بمدنية إب القديمة..
كما اشتهرت كمركز علمي وفكري لقرون عدةٍ مثل مدن صنعاء وزبيد وتريم وصعدة وذمار وغيرها. والكثير من الاراضي الخصبة من حولها موقوفة لصالح المشتغلين بالعلم من أساتذة وطلاب.. ومازالت أحدى مدارس مدينة جبلة قائمة وهي من ملحقات جامع الملكة السيدة الحرة أروى بنت أحمد. وضريحها مازال قائماً في جامعها..
عاصمة الدولة الصليحية
يقال بأن المكرم احمد بن علي الصليحي كان يرغب بالسكن في مدينة صنعاء إلا أن زوجته السيدة الحرة أروى بنت أحمد أمرته أن يحشر الناس الى الميدان فحشرهم وقالت له أشرف عليهم.. وعندما أشرف عليهم لم يقع بصره إلا على برق السيوف ولمع البيض والأسنة.. ثم انتقل المكرم مع زوجته الى مدينة جبلة وأمرته بأن يجمع الناس ويحشرهم الى ميدان جبلة فحشرهم فقالت له أشرف عليهم وعندما أشرف عليهم لم يقع بصره ألا على رجل يجر خروفاً وآخر يحمل ظرفاً فيه سمن أو عسل. وآخر يخرز نعلاً.. فقالت له العيش بين هؤلاء أصلح.. فانتقل المكرم بعد ذلك الى مدينة جبلة وأختط فيها دار العز واتخذها عاصمة للدولة الصليحية منذ ذلك التاريخ.
أهم مزاراتها السياحية :
توجد في مدينة جبلة عدد من المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية التي تشكل جزءاً هاماً من المنتج السياحي الثقافي والطبيعي وأهمها جامع الملكة أروى، والقصر، والنفق الارضي السري الذي كان يربط بين القصر وحصن التعكر، والسواقي القديمة، والسوق القديم.. وجميعها تعود الى عهد الملكة السيدة الحرة أروى بنت أحمد وان كان معظمها قد تحول الى اطلال إلاّ أنها شواهد بازرة لعصر تاريخي هام في حياة اليمن.
لابد من استغلاله سياحياً وعلى أن يقترن ذلك بجهود وأنشطة الحفاظ عليها وترميمها. ومن أهم المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية والسياحية في مدينة جبلة هي دار العز وتسمى كذلك دار السلطنة وقيل إنها كانت مكونة من (360) غرفة- أي على عدد أيام السنة - وقد اتخذته السيدة أروى مقراً لحكمها ومازالت بقايا هذا الدار قائمة حتى الآن.
مكتبة جامع السيدة :
من يدخل الى المكتبة التي تحتل مكاناً صغيراً داخل جامع السيدة أروى يشعر بالفخر لما وصلت اليه المرأة اليمنية في ذلك العصر المتقدم ليس فقط لأن الملكة اروى كانت تتربع على عرش اليمن بل لأنه كان الى جوارها نساء فاضلات عالمات، ويتضح ذلك من خلال تلك المخطوطات والكتب والشروحات عليها والتي قمن بها نساء كن في عهد الملكة حيث سطرن بأناملهن الرقيقة تلك المخطوطات والكتب بخط جميل كجمال تلك الاسماء وعقولها النابغة في العالم والمعرفة وعلى رأسهن الملكة اروى التي كانت مطلعة وعالمة بأخبار التاريخ والعلوم المعرفية الاخرى ولها العديد من التعليقات والشروحات للعديد من الكتب التي تضمها هذه المكتبة.
جامعة الملكة اروى
الجامع الكبير يقع فوق تل مرتفع وله مئذنتان يعود أقدم تاريخ للمئذنة الشرقية الى عام «747» هـ أما المئذنة الغربية فهي أكثر قدماً من الشرقية ويحتمل أن تعود للقرن الخامس الهجري لما بها من زخارف معمارية مماثلة لما عرف في الدولة الفاطمية . ينسب بناء الجامع الى الملكة السيدة الحرة أروى بنت أحمد بن جعفر الصليحي. التي تولت تدبير وحكم أمور الدولة الصليحية في اليمن للفترة من 477 -532 هجرية 1085 -1138 ميلادية وعندما انتقلت السيدة الحرة أروى بنت أحمد الى مدينة جبلة عام 480 هجرية 1087 ميلادية . أمرت بتحويل دار العز الاول الى الجامع الذي ينسب اليها. والجامع لايزال قائماً ومحتفظاً بعناصره المعمارية والزخرفية التي يتبين من خلالها مدى تأثره بأنماط العمارة الفاطمية فالعلاقة كانت طيبة ووطيدة بين الدولة الصليحية في اليمن والدولة الفاطمية في مصر، تخطيط الجامع مستطيل الشكل يتوسطه فناء مكشوف أبعاده (20، 80، 170) متراً. وتحيط به أربعة أروقة هى رواق القبلة وهو الرواق الشمالي الذي يمتد من الشرق الى الغرب ويدخل الى هذا الرواق من خلال خمسة مداخل في الضلع الجنوبي ويتكون هذا الرواق من اربع بلاطات بواسطة اربعة صفوف من الأعمدة المرتفعة بعضها مثمن وبعضها مستطيلة الأشكال وتيجان هذه الأعمدة مستطيلة وأخرى مربعة وهي تيجان حديثة . يرتكز عليها مباشرة سقف الرواق، والرواق مسقوف من الداخل توجد به مصندقات خشبية يعود تأريخها الى القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي. وقد جدد جزء منها في عام 1358 هجرية.. الرواق الجنوبي يتكون من بلاطة واحدة وبجدارة الجنوبي مدخلان يتم الوصول من خلالهما الى «المطاهير» الحمامات الموجودة في الناحية الجنوبية من الجامع. الرواق الشرقي من بلاطتين بواسطة بائكتين بكل منهما ثمانية اعمدة ترتكز عليهااعمدة مدببة. الرواق الغربي يتكون ايضاً من بلاطتين وفي الجهة الجنوبية من الجدار الغربي توجد ردهة تستخدم حالياً كمعلامة «كتاب لتحفيظ القران الكريم»، نسخة من القران الكريم تعود الى «007» سنة، يقع المحراب في منتصف الجدار الشمالي. وهو عبارة عن تجويف بسيط يبلغ عمقه حوالى «58» سم.
يعلوه عقد مدبب محمول على عمودين عليهما زخارف نباتية وهندسية ويحيط بالمحراب كتابات بخط كوفي تقرأ كالتالي بسم الله الرحمن الرحيم «اقبل على ربك وكن من الساجدين ولاتكن من الغافلين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين» وتزين تجويف المحراب من الداخل وطاقيته مجموعة من الزخارف النباتية التي تتمثل في اورق العنب، وعلى جانب المحراب كتابة بالخط الكوفي تقرأ كالتالي بسم الله الرحمن الرحيم. «انما يعمر مساجد الله» بالاضافة الى كتابات اخرى. وخزنة المحراب تسمى بالمحارة. والمحراب مطلي بالدهان الكيميائي الحديث تكاد ملامحه ضائعة.
مئذنتا الجامع :
للجامع مئذنتان احداهما تقع في الناحية الشرقية من الجهة الجنوبية. والاخري تقع في الناحية الغربية من الجهة الجنوبية.. المئذنة الشرقية تتكون من قاعدة حجرية مربعة مرتفعة يقوم عليها بدن من ستة عشر ضلعاًَ من الآجر.
ضريح الملكة :
يعتبر من اضرحة القرن السادس الهجري وأهمها على الاطلاق باعتباره الاثر الباقي من اضرحة الدولة الصليحية. وقد بني كما امرت الملكة السيدة الحرة اروى بنت احمد يقع في الركن الشمالي الغربي من الجامع بمدينة جبلة. يذكر ان الملكة السيدة الحرة اروى بنت أحمد أمرت ببناء دار العز الاول جامعا في عام (084) هجرية وهو الجامع الثاني في مدينة جبلة وبه ضريح الملكة.. وقد استثنت موضع ضريحها من بناء الجامع حيث اشارت في وصيتها وعاينها الشهود والقضاة. وقد دفنت في جامعها بذي جبلة ايسر القبلة في منزل متصل بالجامع وكانت هي التي تولت عمارته وهيأت موضع ضريحها به تزين واجهة الضريح عناصر معمارية عبارة عن دخلات على هيئة محاريب مجوفة عددها في الجدار الشرقي اربع دخلات والجنوبي دخلتان ويبلغ عرض الواحدة منها (06) سم وارتفاعها (06،01) مترا بعمق (01) سم وقد فتح مدخل في الجدار الجنوبي للضريح مما جعل المعمار لايعمل الا دخلتان فقط و يكتنف كل دخلة عمودان مندمجان ليس لهما تيجان.يقوم على العمودين عقد مدبب شبيه بعقود الدولة الفاطمية بمصر. كما يزين جدران الضريح من الخارج زخارف كتابية بالخطين الكوفي والنسخ. وقد نفذ الخط الكوفي بالحفر البارز وهو من النوع الكوفي المزهر على مهاد من التفريعات النباتية الجصية البديعة التكوين وقد نفذت الزخارف الجصية بالحروف البارزة فوق مستوى الارضية. حيث ظهر هذا الخط الكوفي المطور في القرن الحادي عشرالهجري. والذي يمتاز بنقش الكتابات على مستويين. مستوى الحروف العريضة البارزة. ومستوى الارضية من ورائها المليئة بالزخارف المستقلة في رسومها والتفاف حركاتها عن الكتابات وقد راعى الخطاط ان تكون التكوينات الزخرفية النباتية خفيفة المظهر و الحركة. بحيث تكون الحروف الكتابية بارزة على تلك الزخارف وهذه الكتابات تمثل إطاراً يدور حول واجهتي الضريح والتي تبدأ من الجهة الشرقية بالنص التالي
بسم الله الرحمن الرحيم «كل نفس ذائقة الموت. وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن....» ومن الجهة الجنوبية بالنص التالي «.. زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز. وما الحياة الدنيا ألا متاع الغرور» والحمد لله. بالاضافة الى ذلك فهناك شريط كتابي في الاعلى نفذ بخط النسخ على أرضية حمراء وهومن اعمال التجديدات التي طرأت على الضريح إذ تتشابه كتابة هذا الشريط مع الشريط الكتابي المؤطر للباب والذي يوجد به النص التالي «نصر من الله وفتح قريب» وهي تؤرخ بحساب الجمل إلى عام 1248هـ ـ 1862م كما يوجد به نصوص اخرى هي كالتالي بسم الله الرحمن الرحيم «كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز. وما الحياة الدنيا ألا متاع الغرور. وتبارك الله رب العالمين».
«قل إني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني من البينات من ربي وامرت ان اسلم لرب العالمين» صدق الله العظم.
ويتصدر واجهة الشريط الكتابي في الجهة الجنوبية منطقة مستطيلة الشكل زينت بأشرطة كتابية نصوصها كالتالي بسم الله ا لرحمن الرحيم «لا اله الاّ الله محمد رسول الله».
متحف مدينة جبلة
متحف الملكة اقيم في الآونة الاخيرة وهو يحتوي على صالة عرض للموروث الثقافي والحضاري الذي تزخر به مدينة جبلة.. إضافة الى معروضاته من القطع الأثرية والتي يعود معظمها الى فترة العصر الاسلامي عامة. وخاصة عصر الدولة الصليحية التي حكمت اليمن خلال الفترة 438- 532 هجرية و 7401 ـ 8311 ميلادية.
وكانت مدينة جبلة عاصمة لها. وقد اقيم بجوار بقايا دارالعز ويسمى متحف الملكة اروى التاريخي ويتكون من العديد من الغرف الصغيرة التي يضمها مبنى قديم ربما كان من ملحقات دار العز يتكون من عدة طوابق، ويضم المتحف اجزاء من الأدوات والنماذج التي كانت مستخدمة في زمن الملكة اروى مثل ادوات الحرب والأكل والزراعة والحدادة والنجارة ومختلف المهن في ذلك العصر الذهبي الذي وصلت فيه الحرف الفنية الى اعلى درجات التفنن.
Saturday, April 3, 2010
جبلة .. نسمة السحر وشقيقة القمر
جبلة .. نسمة السحر وشقيقة القمر
> تغنى الشعراء برقة هوائها وعذوبة مائها وطيبة أهلها
> وسط منحدرات المدينة شيدت السيدة أروى آخر حكام الدولة الصليحية جامع جبلة الشهير
>> "ورد ذكر جبلة في الكثير من المصادر التاريخية اليمنية بان اول من مصَّرها وجعلها دار ملك، الأمير (عبدالله بن محمد الصليحي) شقيق الملك الكامل (علي بن محمد الصليحي) سنة 458 هجرية.."وفيها يقول (عبدالله بن علي الصليحي):
ما مصَّر ما بغداد ما طبرية بمدينة قد حفها نهران
خددٌ لها شام وحَبَّ مشرق والتعكر العالي المنيف يماني
استطلاع: جمال قاسم الشخصي
نسمة السحر وشقيقة القمر
يقال لها (ذو جبلة).. "نسمة السحر وشقيقة القمر، ربة الحسن والاحسان، والعلم والعرفان، ومقر عز الملكة بلقيس الصغرى (السيدة أروى بنت أحمد الصليحي) المقرونة بعظمتها وما خلفته من آثار وميراث حسان، ومسجدها الجامع أحد مفاخرها".
تقع مدينة جبلة إلى الجنوب الغربي لمدينة إب، على بعد أربعة أميال تقريباً، وتعد من أعظم المدن التي شيدها الصليحيون، فهي تقع على هضبة متدرجة الارتفاع، تحيطها المروج الخضراء من كل جانب.. «تغنى بوصفها ورقة هوائها، وعذوبة مائها وكرم أخلاق أهلها، الشعراء والأدباء وأكثروا من ذلك».
نمط العمارة التاريخية
على احدى منحدرات وسط البلدة يقع جامع جبلة الأثري، ويعرف الى اليوم بجامع السيدة أروى بنت أحمد، ويعد اخر ما تبقى من اثار الدولة الصليحية في اليمن.. «وهو بتكامله المعماري يعد بمثابة حلقة تتوسط ما قبله في مجال العمارة الدينية اليمنية التي انطلقت بعد ذلك من عصر دولة بني رسول.. هذا فضلاً عن جوانب الشبه الكبير من حيث المؤشرات المعمارية بينه وبين معظم العمائر الدينية الفاطمية في مصر».
«ومازال محراب المسجد (وبما له من الفخامة والروعة الباهرة حتى اليوم) جوهرة المسجد باسره، اذ يستدعي الانتباه بارتفاعه ومن محاولة تشكيل المسطحات فيه على نحو مجسم.. كما انه من حيث الزخرفة من اروع الابداعات الفنية في اليمن، والمحراب بهيئته وزخارفه يذكرنا باشكال المحاريب في بلدان الشرق الاسلامي كإيران وتركيا».
ومن الاشياء الفنية التي تلفت الانتباه في المسجد، الزخارف الملونة والكتابات الجصية التي تغطي ضريح السيدة بنت أحمد الواقع عند نهاية الفناء من جهته الشمالية الغربية، الى جانب ذلك الزخارف الملونة والمحفورة التي تملا مصندقات السقوف في رواق القبلة.. كما ان للمسجد مئذنتين غاية في الروعة بعمارئهما واشكالهما الهندسية الزخرفية من صنايا صماء وشرفات وزخارف جصية.. ويبدو ان المئذنتين قد اقيمتا في وقت متأخر من تاريخ بناء المسجد ولكن على انقاض المآذن القديمة غالباً.. وهو ما تظهره بعض الكتابات الموجودة على المئذنتين".
أما المسجد المعروف بمسجد الشيخ يعقوب الزوم أو قبة الشيخ الزوم، فانه يشكل نمطاً اخر من المساجد الاثرية التي تزخر بها مدينة جبلة، ويرجع بناؤه الى العام 921 هجرية، ويمتاز بتصميمه الرائع وزخرفة البناء.. أكانت مئذنته الجميلة التي تشد الناظر اليها، او قبته الكبيرة المنمقة، والتي تشكل بدن الجامع باسره او ما يعرف ببيت الصلاة.
اما دار العز الذي يجسد فن عمارة المدينة في عهد الدولة الصليحية فلا زالت اطلاله ماثلة للعيان وفيه كان يشمخ كرسي الملك.. هنا اقامت الملكة (أروى) وحكمت البلاد لمدة أربعين عاماً بين عامي 492 وحتى 532 هجرية.. واليوم لازالت بقايا قصر العز.. والذي حيكت حوله القصص واحياناً الاساطير، وجميعها تتحدث عن حضارة سادت ثم بادت!!
حفيدات وأحفاد الملكة
في جبلة، الناس هنا ودودون، وبسيطون، وطيبون للغاية يرحبون بضيوفهم، ويبدون حفاوةً بالزائرين لمدينتهم.. ويتطوع الصغار الذين يلتفون حولك مبتسمين ليحدثوك عن تاريخ مدينتهم باعتزاز وفيهم من يفعل ذلك بعدة لغات أوروبية من الأولاد والبنات!
انهم يحفظون تاريخ المدينة وملكتها السيدة أروى عن ظهر قلب "انهم احفاد وحفيدات الملكة أروى الصليحي التي تحدثنا عنها كتب التاريخ، والتي لم تسع للملك، بل جاءها الملك ساعياً.. كانت خير ملكة أقامت العدل، ونشرت الرخاء.. عرفت بتسامحها الديني وتركت بصمات حكمها ليس في جبلة فحسب بل في أماكن اخرى كثيرة بطول البلاد وعرضها.. الى هنا في جبلة.. كان ياتي الخراج من الجبال والسهول ومن اعلى الهضبة.. وهنا كان يعسكر الجند ويجتمعون قبل بداية غزوة تخضع تمرداً، أو يتقاطرون لتحية الملكة مبشرين اياها بنصر حالفهم أو بفتنة اجتثوها!
ومن هنا والى هنا كانت الهدايا والعطايا تاتي وتغدو من والى الخليفة الفاطمي في أرض الكنانة، نظراً للعلاقة الوطيدة التي اقامها الصليحيون مع الدولة الفاطمية بمصر آنذاك، بعد شق عصا الطاعة عن الخليفة العباسي ببغداد.. اما عند هذه الحصون على قمة جبل التعكر فقد كانت هنا خزائن الملك، ومقر اقامة الملكة في فصل الصيف!.
تراث ثقافي وطبيعي..مقومات سياحية متعددة
بالرغم ان جبلة واحدة من عشرة مواقع في بلادنا مرشحة بالانضمام الى قائمة التراث العالمي لاحتوائها على الكثير من المؤهلات اذا ما تم استغلالها والاهتمام بها إلا انها لازلت كغيرها من مثيلاتها بحاجة ماسة الى تطوير بنيتها التحتية وتنشيط الحركة الاقتصادية فيها وبخاصة تلك الجوانب التي تخدم قطاع السياحة.. إذ لا يعقل ان ياتي الزوار والسياح الى المدينة للاستمتاع بجمال الطبيعة ومشاهدة المعالم الاثرية ثم يتوجهون الى المبيت في اماكن اخرى خارج المدينة ليعاودوا زيارتهم في اليوم التالي، وهذه حالات متكررة، كما هو الحال في مدينة زبيد مثلاً!
في أحدى الزيارات لمدينة جبلة زرنا متحفاً مصغراً للموروث الشعبي تمت اقامته بجهد فردي من قبل احد الشباب المتحمسين من ابناء المدينة اختار له احد المنازل القديمة المكونة من عدة طوابق ووزع مقتنيات المتحف من أماكن عدة في مديرية جبلة وقام بتصميم ما كيتات (مجسمات) للكثير من الشخصيات التي تشكل النسيج الاجتماعي للمنطقة.. مبادرة ذاتية تستحق الدعم ونأمل ان تستمر لتكون نموذجاً يحتذي في مناطق ومدن تاريخية اخرى زرنا المكان وسعدنا ونحن نرى الزوار من اليمنيين والاجانب يتوافدون اليه.
سياحة واعدة
ويبقى القول: ان جبلة تتميز عن بقية المدن اليمنية التاريخية بانها تجمع بين مميزات مواقع التراث الثقافي المتمثل بالجانب التاريخي والاثري والموروث الشعبي، وكذا التراث الطبيعي المتمثل بالتنوع الحيوي والنباتي والذي يشكل احدى عوامل الجذب لمحبي السياحة البيئية.
وفي جبلة انى وقفت متأملاً المدينة، ياخذك المنظر.. سحر الطبيعية، وجمال فن العمارة اليمنية الاصيلة، اشياء كثيرة هنا لازالت محتفظة بعبقها، واذا ما رغبت بالتقاط صورة تذكارية لجبلة وانت لا شك ستفعل وسواء أكنت محترفاً في التصوير او حتى هاوياً، فما عليك إلا ان توجه آله التصوير وتفتح مؤشر تدريج المسافة عند الرقم ما لانهاية.. بعدها ستجد نفسك دون اي عناء قد ابدعت لوحات جملية شكلها عبق جبلة وجمالها الاصيل واضفى عليها مسحة حسن لا تضاهى!!
صحيفة 26 سبتمبر
العدد 1297 - التاريخ: الخميس 23 نوفمبر-تشرين الثاني 2006
Subscribe to:
Posts (Atom)