Friday, March 26, 2010

جبلة.. بلدة النهرين ومرفأ الملكة الصليحية

جبلة.. بلدة النهرين ومرفأ الملكة الصليحية

بقلم: صـــلاح الطـاهـــري في الأحد 14 مارس - آذار 2010 03:58:37 ص



تُسحرك بطيب أجوائها واخضرار وديانها ومدرجاتها الجبلية وتبهرك أكثر بعراقة دورها وقباب ومآذن مساجدها التاريخية التي تعود إلى مئات السنين، سميت قديماً بمدينة العلم ومدينة النهرين ولها في التاريخ اليمني القديم صولة وجولة وحضور مهيب كونها مثلت أشهر الدول اليمنية القديمة فهي مدينة تتنفس الحب وتمد الحاضر بتاريخ عريق إنها مدينة جبلة التي تُعد من أشهر المدن التاريخية في بلادنا لحضورها التاريخي العريق ولامتلاكها لمقومات السياحة كونها جمعت بين أصالة التاريخ وعبق الطبيعة ومثلت في حقبة من الزمن منارة للعلم والعلماء ومنبعاً من منابع العلم والمعرفة اغترف منه الكثير من علماء وقضاة اليمن المشهورين وهي بدورها وقبابها ومآذنها الشامخة المعانقة زرقة السماء شاهدة على ماخلدته يد الإنسان اليمني قديماً وحفاظ الأجيال المتعاقبة على مثل هذه الكنوز التاريخية هو حفاظ على الهوية اليمنية بحد ذاته.



المكان الجغرافي والحضور التاريخي

جبلة مدينة عامرة تقع شمال شرق جبل التعكر من الجنوب الغربي من مدينة إب وترتفع عن سطح البحر نحو 2000متر، امتازت بطيب هوائها وخصوبة أراضيها وجمال عماراتها التاريخية العتيقة ذات الطابع المعماري والفني المتميز الذي يقدم لنا بتصميماته الدقيقة وتناسقه الجميل وزخارفه البديعة لوحة بديعة من أجمل لوحات الفن المعماري والفن اليمني في العصر الإسلامي هذا الفن المعماري الذي يستمد أصوله من تراث معماري عريق عراقة الإنسان اليمني وحضارته القديمة التي أنشأها على هذه الأرض الطيبة منذ آلاف السنين، كما تعتبر مدينة جبلة من أجمل وأطيب المدن اليمنية المشهورة وقد تغنى الشعراء بجمالها قال الشاعر عبدالله بن يعلي:

هب النسيم فبت كالحيران

شوقاً إلى الأهلين والجيران

مامصر ماتبريز ماطبرية

بمدينة قد حفها نهران

خد لها شام وحب مشرق

والتعكر العالي المنيف يماني

أنشئت مدينة جبلة على تلة مرتفعة تتكون من سبع روابي فلكل منها اسم يميزها عن الأخرى مثل ربوة ذي أود التي بُني فيها جامع السيدة أروى وربوة الدار وبها قصر العز وجبلة اختطها السلطان عبدالله بن محمد الصليحي في سنة 457هـ وتسمى جبلة مدينة النهرين لإنها مدينة بين نهرين كبيرين جاريين في الصيف والشتاء ويقال في المثل المشهور إن جبلة لايدخلها أحد إلا طاهر وإن صباحها صباح عروس.. كما تحيط بجبلة خمسة جسور حجرية(عقود) من مختلف جهاتها وكما هو معلوم بأن الملكة أروى رصفت جميع شوارعها بالأحجار والقضاض ومن الملاحظ أن مدينة جبلة محاطة بعقود حجرية وهي عقد الزراق - عقد حنش - عقد ملتقى النهرين - عقد سرمد - عقد المدرج.. كما يوجد في أعلى جبلة أربع سواق ساقية شعب الرزاحي وساقية الجبوبة - سائلة حديد ويوجد في جبلة ثلاثة وثلاثون مسجداً منها في أيام الملكة أروى وهي جامع أروى ومسجد السنة - مسجد الدار- مسجد عراف وبقية المساجد بنيت أيام الدولة الرسولية مثل مسجد النجمية - الأشرفية - الدار - فاتن المسمى بمسجد العقد - المؤيد- الشهابية - خدش - أما مسجد قبة الشيخ يعقوب فبني في 1921هـ وبعد هؤلاء بني مسجد القشيبي مسجد الوزير والخضر ومسجد العارضة ويوجد في جبلة أطول منارة في اليمن قديماً وهي منارة مسجد السنة.

من المعالم التاريخية في مدينة جبلة دار العز الأول الذي بني 457هـ وبني مسجد السنة وعندما اختط الملك عبدالله بن أحمد الصليحي ذي جبلة مع الملكة أروى اختط بها دار العز الثانية في بستان ذي بور وهو حائط فيه بستان وأشجار كثيرة وهو يطل على النهرين وعلى دار العز الأول وأمرت الملكة أروى بهدم دار العز الأول وبنت محله الجامع الكبير الذي قبرت فيه وكان بناء دار العز الثانية سنة 480هـ وهو مكون من 360غرفة ومن أسماء غرفها - غرفة برج الشمس - برج الزهراء- برج الثريا وكان عليه سور جوار مسجد السنة إلى نهاية البستان وبجواره من الجهة القبلية طريق مرصوفة بالأحجار تسمى(طريق السلطانية).

دار العز المذكور تقام حالياً عملية إعادة بنائه وترميمه من قبل فرع الصندوق الاجتماعي للتنمية ومن الدور القديمة في مدن جبلة والتي مازالت قائمة حتى اليوم دار حنش - دار السنة ودار بديور ودار فيروز ومن العقود التاريخية في هذه المدينة عقد الزراق وعقد حنان وعقد العقبة وعقد الخبش ومن أهم بركها وسدودها سد الأوجاع وبرك المصلى التي أهدرت وأصبحت ملاذاً للأتربة والأحجار التي طمرتها ومن المعالم التاريخية الأثرية (حصن التعكر) وهو حصن كبير عظيم الشأن وهو من أقدم معاقل اليمن وحصونها ويوجد فيه المخازن السرية والجروف والمدافن العديدة والسراديب السرية التي في داخله وهو حصن منيع وقوي وكان التعكر مكان ذخائر وكنوز ملوك الدولة الصليحية ومن أهم الوديان في جبلة وادي السيل وفي المدينة سوق قديمة قائمة حتى اليوم وهي سوق مجزءة هناك سوق المجزارة وسوق السكة (الحدادة والنجارة) وسوق المدر(الفخار) ورغم مايسوء هذه السوق العتيق من تحولها إلى سوق للقات وكذا عدم وجود معروضات التراث من فضة وملبوسات شعبية بمعنى غياب التشجيع الحرفي والترويج السياحي في هذه السوق معدوماً تماماً ومن أهم حارات مدينة جبلة حارة الدار وحارة الجامع وحارة السنة وحارة القبة وقرية الصفاء وحارة حنان وحارة المدابغة وحارة رأس المدينة وحارة المنصورة وهي أبعدها.

الصرح العلمي لجبلة

أما الصرح العلمي فقد تخرج الكثير والكثير من العلماء والحكام القضاة والذين تلقوا العلوم المختلفة فقهية ولغوية ودينية وفلكية وغيرها من العلوم وكانت الشهادة التي تمنح لهم إجازة تعادل الشهادة الجامعية وكانت هذه العلوم تدرس في الجامع الذي كان يحتوي على أربعين غرفة خاصة للطلاب الوافدين من خارج المدينة لتلقي العلوم بأنواعها المختلفة ولهذا فمدينة جبلة كانت مركزاً علمياًَ مشهوراً وعلاوة على دور مساجدها في نشر العلم والمعرفة حيث أنشئت العديد من مدارس العلم التي قصدها الطلاب من مناطق مختلفة درس فيها عدد من العلماء المشهورين من هذه المدارس.. مدرسة ابن أبي الأمان سنة 558هـ /1163م وتعتبر هذه المدرسة اليوم أقدم المدارس اليمنية التي نعرف موقعها واسم بانيها وتاريخ انشائها والمدرسة الشهابية ومسجد المدرسة النجمية التي أنشأتهما الأميرة الدار النجمي أخت الملك المنصور عمر بن علي بن رسول في النصف الأول من القرن السابع الهجري والتاسع الهجري.

أيضاً فإننا نتذكر أشهر المنشآت التاريخية في جبلة دار العز - وقبة الزوم الجامع الكبير الذي كان في الأصل قصراً من قصور الصليحي عرف باسم دار العز الأول الذي ذكرناه سابقاً ومبانيها السكنية القديمة بطوابعها العديدة التي تعانق بشموخ وإباء سماء جبلة الصافية منذ مئات السنين.

مشاريع وبرامج للحفاظ على المدينة التاريخية

شهدت مدينة جبلة اهتماماً كبيراً من قبل قيادة السلطة المحلية في محافظة إب وبالتحديد عام 2006م وفي هذا العام بالتحديد حددت قيادة المحافظة مدينة جبلة محطة المهرجان السياحي الرابع للمحافظة السنوي والذي يؤكد أبناء جبلة وإب بأن مهرجان جبلة كان من أنجح المهرجانات السياحية السنوية مقارنة مع الأعوام والمهرجانات السياحية الأخرى التي سبقت ولحقت هذا المهرجان السياحي بالمحافظة فتم ذلك إعداد المشاريع والدراسات الخاصة بإعادة دار العز وترميم مسجد السيدة أروى وللأسف الشديد أن العمل في هذا الجامع بطيء.. كما يعبر بعض أبناء مدينة جبلة بأن هذا الترميم شوه بجماليات الانشاء التراثي البديع الذي يزخر به هذا الجامع.. كما تواجه عملية نجاح الترويج السياحي لمدينة جبلة عدة منغصات منها وجود أسواق القات ففي أول مدخل للمدينة وعلى الشارع العام تستقبل الزوار والسياح أصوات موالعة وبائعي القات أيضاً داخل السوق الشعبي الذي تكاد المحلات المروجة للحلي والملبوسات التراثية معدومة يكتظ السوق أيضاً ببائعي القات ومن أعتى المنغصات التي تشكو منها المدينة وأهلها وزائروها هي مشكلة الصرف الصحي رغم المعالجات المتكررة لوضع حل مجد ونافع لهذه المشكلة حيث وأنه لاتوجد شبكة تصريف للمجاري بل سائلة جبلة التي كان يطلق عليها بالنهرين أصبحت ملاذاً لمياه الصرف الصحي وأعتقد هنا بأن هذه المشكلة إذا تم حلها سيكون دور وعمل الجهات المعنية في الترويج السياحي لهذه المدينة سهلاً وفاعلاً.

وأجدني هنا أثمن ماتقوم به السلطة المحلية بمديرية جبلة تجاه مدينة جبلة التاريخية من خلال العديد من المشاريع الهادفة للحفاظ على هوية المدينة تراثاً وتاريخياً وسياحياً فلا يخفى الدور المتقدم والناجح الذي يقدمه المشروع اليمني الألماني GTZ الهادف إلى إدراج مدينة جبلة كثالث مدينة تاريخية بعد مدينتي شبام بحضرموت وزبيد بالحديدة وعلى إثره وبدور السلطة المحلية بالمحافظة ومديرية جبلة قام المشروع بالعديد من الإجراءات فقد تم النزول الميداني للتعرف على الهموم والمشاكل التي تواجهها مدينة جبلة كالوضع البيئي حيث تم تدشين حملة نظافة للمدينة بالتنسيق مع العديد من الجهات.

كما قدم فرع الصندوق الاجتماعي للتنمية بالمحافظة 120برميلاً للقمامة والتي أعطت للمدينة طابعاً حضارياً وبيئياً سليماً.. كما تم اعتماد بناء مسلح عام للمدينة وتم عمل الدراسات والتصاميم الخاصة بذلك وهذا سيسهم في تخليص مدينة جبلة من أهم عوامل التلوث البيئي أيضاً لوحظ تعرض مدينة جبلة للخطر نتيجة التشوهات الواسعة التي أجريت على المباني القديمة والمعالم الأثرية مما جعل المشروع GTZ وبالتنسيق مع جهات معنية تنفيذ عمل مسح ميداني للمنازل حيث حُدد عدد 1400منزل هذه المنازل هي بحاجة إلى وضع معالجات لازمة بطريقة علمية مما يُعيد لهذه المنازل والمباني طابعها الأثري الأصيل أيضاً مما يبشر بخير هو سماعنا بانزال إعلان المناقصة الخاصة للمرحلة الرابعة من رصف بعض شوارع المدينة القديمة بجبلة.

وهناك العديد من الفعاليات والاجراءات التي تنفذها السلطة المحلية بالمديرية مع مشروع GTZ منها رسوم الأطفال الذي نفذ قبل شهر وهدف هذا المعرض الذي حمل اسم جبلة في عيوني إلى ترشيح وتعزيز الحفاظ على الهوية التاريخية والتراثية لهذه المدينة.

ومن خلال زيارتنا للمسئول الإعلامي لهذا المشروع علمنا بأن هناك أنشطة ومشاريع في القريب العاجل كعمل لوحات إرشادية باللغتين العربية والانجليزية وكذا انشاء مركز إعلامي في مدينة جبلة.. كما يسعى المشروع اليمني الألماني والسلطة المحلية بجبلة إلى دعم وتفعيل أنشطة الجمعيات والاتحادات والمجاميع النسوية في سبيل تفعيل وتنشيط الحرف والمشغولات والملبوسات الشعبية التي تمثل أهم ميزة من مقومات الجذب السياحي وكذا لما يعمل على الحفاظ على تراث وعراقة مدينة جبلة والعمل على توسيع مفاهيم التنمية الحضرية، أيضاً وفي الاسبوع المنصرم دشن القاضي أحمد الحجري محافظ إب حملة تشجير لمدينة جبلة مما يؤكد أن الشجرة والخضرة هي الرديف الثاني بعد التراث والموروث الشعبي في نجاح السياحة .

أقول لقد حان الوقت لإعطاء هذه المدينة التاريخية حقاً من الاهتمام والتفعيل لمكانتها التاريخية وموروثها الغني عن التعريف فهاهي مدينة جبلة مكتملة بالخضرة وحضور التاريخ وبوعي واستنارة أبنائها النوابغ وبالدور الفاعل لمكتب التربية والتعليم بالمديرية الذي يُعتبر المحرك الأساسي لنجاح مشاريع الحفاظ على مدينة جبلة من خلال التربويين وطلبة المدارس وكذا بمسئولية الجهات المعنية في جبلة التي نأمل أن تضع حداً للزحف العمراني الأسمنتي الذي يكاد يخنق الأجواء الرحبة ويشوه الصورة الساحرة البديعة لمدينة جبلة القديمة ففي جبلة يتنفس المرء الحب وينغمس في ابتهالات وروحانيات الروعة والدهشة وفيها يمس الشحرور ويبتهل الحمام ويعشعش الأمل وصدق عامل الإمام الذي قال:

(جبلة)و(إب) والثالث(المخادر)

يارحمتاه للعاشق المسافر.

جبلة قصة تأريخ

جبلة قصة تأريخ

الجزء الأول



الجزء الثاني